قتلوا «محمد»ه تلميذ الابتدائى للحصول على الفدية.. خوفا من فضح جريمتهم
بابتسامة لا تفارق وجهه وبراءة وعفوية، يشهد لهما الجميع، خرج الطفل »محمد« ذو السنوات العشر، ممسكا بيد صديقه الصغير ـ أو ما كان يعتقد ـ والوداعة تملأ عينيه مسلما نفسه إليه فى طريقه إلى المجهول، حيث لا يدري، النهاية التى لم يتوقعها أحد، فقد كان بالانتظار من يتربص به ليلقى مصيره المحتوم..
دقائق طويلة بطيئة مرت كان فيها الليل قد أرخى أستاره قبل أن تكتشف الأم المسكينة غياب ابنها الذى حان موعد نومه، ولم يعد للبيت لتهرع فى لهفة إلى شقيقه الأكبر تسأله عن سبب تأخر أخيه عن العودة، وهما اعتادا أن يرجعا معا بعد الصلاة: «يوسف أنت ما شفتش أخوك؟».. وتأتيها الاجابة صادمة: لا ياماما ما شفتهوش من ساعة صلاة المغرب.. فسقط ما فى يدها .. ماذا تفعل، لتندفع نحو والده تخبره بما جرى ليشاركها حيرتها وجزعها، وتبدأ رحلة البحث عن محمد خارج المنزل وفى ردهات القرية ودروبها دون جدوي.. ساعات أخرى عصيبة على الاسرة الصغيرة زاد من وطأتها اختفاء أى اثر للطفل أو دليل يقود إلى مكانه حتى جاءتهم النجدة بشهادة أحد اهالى البلدة له: «ايوه شفته محمد كان خارج مع صاحب اخوه وزميله فى المدرسة كانوا رايحين يشتروا حاجة» وهنا أسرع الجميع الخطى لبيت التلميذ الصغير علهم يجدون اجابة شافية عن مكان الطفل المفقود أو خبرا يقينا عن مصيره يرد لوعتهم لتتكرر صدمتهم مع الرد الذى جاء حادا ومخيبا للآمال «لا الولد رجع ونام وماكنش حد معاه» ليستأنفوا رحلة البحث بعيدا قبل ان يعودوا بخفى حنين دون أن يعثروا على شيء أو أثر يدلهم إليه ويمضوا ليلتهم، وما أقساها من ليلة، التى خاصمهم فيها النوم، ولم تهدأ فيها روحهم حتى ظهرت خيوط النهار ومعها الامل فى العثور عليه قريبا لتعاود عائلة الطفل التى سرعان ما تجمعت عن بكرة أبيها والجيران وأهالى القرية عملها الذى بدأته بحثا عن «محمد».
لكن الام التى لم تكن تشعر بالطمأنينة تجاه الصديق الصغير نظرا لما كانت تستشعره دوما من قوة شخصيته وطغيانها على طفليها وانسياقهما وراءه لم تقتنع بالاجابة المقتضبة وأصرت على الذهاب بنفسها لسؤال الطفل الآخر عن ابنها الذى لابد أنه استيقظ الآن وعلم بالامر عله يقودها لأى شيء وهو فى كل الاحوال آخر من رأه وحادثه وبالتأكيد لديه المزيد ليحكيه فقلبها يحدثها بان فلذة كبدها فى خطر وان مكروها قد وقع له، لكن الطفل أجاب باقتضاب: «هو اللى طلب منى نخرج ونروح بعيد ونجيب فاكهة من الشجر وكان عاوز يمشى اكتر من كده، بس انا ما رضتش ورجعت مع عمي».
رد الطفل هو الآخر لم يشف غليلها،بل على العكس زاد من حيرتها وقلقها، فهى تعرف ابنها جيدا وهو ليس كما قال. إذن فهناك مصيبة وقد صدق حدسها، وما هى إلا ساعات حتى عثر على جسد الطفل جثة هامدة مخنوقا فى منطقة نائية وفى غضون ساعات كان رجال الشرطة قد ازاحوا النقاب عن مفاجأة مرعبة هزت الجميع وهى ان الفاعل أحد الجيران الذين تطوعوا للبحث عن القتيل وتقدم الصفوف للبحث عنه وأن شريكه الصغير لم يكن سوى الطفل صديق الضحية الذى قاده للهلاك.
فقد جاءت شهادة أخرى من أحد الاهالى على مشارف القرية لتؤكد ان الطفلين كانا سويا باتجاه نهاية القرية، حيث استوقفهما وسألهما عن وجهتهما فى هذه الساعة ليلا مع حلول الظلام إلى هذه المنطقة الخاوية ليرد الطفل بانهما بانتظار عمه ليوصلهما، لكن وجود العم نفسه فى مقدمة الباحثين عن الصبى المفقود كاد يدرأ عنه أى شبهة لولا العدالة الالهية التى كانت له بالمرصاد.
داخل قرية «السعدية». تلك القرية الهادئة سادت حالة من الاحتقان والغضب العارم وتعالت المطالبات بالقصاص من الجانى الذى اغتال براءة احد ابنائهم تاركا وراءه حزنا عميقا ورعبا لا ينتهى بين الامهات وأولياء الامور حتى ان منهم من رفض ذهاب أطفاله للمدرسة خوفا من تكرار ما حدث مع «محمد»..
«ياريتهم كانوا دفنونى معاه، الحياة ما بقالهاش طعم سرقوا روحى وعمرى من غير ما اعرف ليه».. كلمات بسيطة مؤثرة نطقت بها الام والدة الطفل القتيل محمد علاء البحراوى عبرت عما يجيش بصدرها من حزن والم يتخطى الوصف لوفاة طفلها.
واستطردت : «ياريتهم خدوا كل اللى حيلتنا وسابوا ابنى لو كانوا طلبوا نبيع هدومنا كنا هنبيعها لو كانوا طلبوا عينيا كنت هاديهالهم واحنا راضيين عشان ابننا يرجع تانى ويبقى فى وسطنا، ولا عمرى هاهدى ولا انام الا لما أشوف المجرم يأخذ جزاءه العادل».
كان محمد يلهو امام منزله حينما طلب منه زميل شقيقه ان يصطحبه لشراء بعض الاشياء لاسرته ورغم وجود محل قريب، فإنه أغواه بالذهاب بعيدا بدعوى وجود محل آخر يتوافر فيه طلبه وفى الطريق شاهده احد الاهالى وعندما سألهما عن وجهتهما لا سيما أنهما صغيران والطريق مظلم ومهجور رد الآخر سريعا: رايحين نشترى حلوى ويلتقط يدى رفيقه ليسرع الخطى ويبتعدان عن العيون قبل ان يسلمه لعمه الشاب الطالب الجامعى ابن القرية نفسها وجار الضحية الذى كان كالذئب يتربص بفريسته لاستكمال مخططه باختطافه ومساومة أسرته. انكار الطفل الصغير هو ما اثار الشكوك حوله ثم رؤية الاهالى له وتسجيل كاميرا مراقبة خاصة بأحد المنازل فى الطريق وهما الاثنان بصحبة العم كان ما كشف زيف ادعائه ومراوغته وما حاول القاتل الكبير إقناع اسرته به على مدى يومين وهو يفكر فى حيلة لإبعاد الشبهة عنه وتوجيهها إلى نواح أخرى مرة بان الطفل قد يكون ذهب باتجاه قرية اخرى وربما هناك من قد يكون خطفه لطلب فدية، أو سقط فى إحدى الترع المجاورة فى اثناء لهوه وحده وغرق حيث ألقى حذاءه كنوع من التمويه، لكن ضحالة المياه بالمنطقة استبعدت أيضا هذا الاتجاه .
وفى التحقيقات التى باشرتها الشرطة عقب القبض على القاتل تبين انه اتفق من ابن شقيقه الصغير على استدراج الطفل وكان قد جلب سندويتشات ودس الأقراص المخدرة بداخلها وفور تناول الطفل لها شعر بالنعاس، فقيد يديه وحاول تكميمه لكن صراخه علا وهدد بابلاغ والده فحاول كتم أنفاسه حتى خنقه ليلقى مصرعه.
وكان اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام قد امر بتشكيل فريق بحث لسرعة كشف غموض الحادث ومن خلال فريق البحث الذى قاده اللواء محمود أبوعمرة مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام تم ضبط المتهم
وكان اللواء عبدالله خليفة مدير أمن الشرقية قد تلقى إخطارا من اللواء عصام هلال مأمور مركز أبو حماد بالعثور على جثة الطفل محمد علاء البحراوى 10 سنوات وتوصلت التحريات التى قام بها الرائد محمد درويش رئيس مباحث مركز أبو حماد ومعاونوه العقيد جاسر زايد رئيس فرع البحث الجنائى لجنوب الشرقية وبالتنسيق مع الأمن العام بإشراف العميد ماجد الأشقر رئيس الفرع إلى ان مرتكب الحادث هو احد جيران المجنى عليه »22عاما - طالب«، وأنه دبر لخطفه بالاستعانة بابن شقيقه التلميذ بالصف السادس الابتدائى »12عاما« وزميل شقيق الضحية الذى حرضه على استدراجه لمنطقة نائية وتخديره لطلب فدية من والده لإعادته وتحقيق مكسب مادى لكن الضحية هدد بكشف سرهما وابلاغ والده فخنقه خشية افتضاح امره.
ولكن يبقى السؤال : كيف لطفل صغير ان يخطط ويشارك فى جريمة؟، كيف لكائن ينتمى إلى ذاك العالم الملائكى أن يسوق صديقه للموت؟ كيف لعم طوعت له نفسه أن يشرك ابن شقيقه فى جريمة قتل ؟!