الشيخ ماجد راضى مدير اوقاف السويس يبعث برقية بمناسبة ليلة الاسراء والمعراج المنحة بعد المحنة فى الإسراء والمعراج تزامنا مع هذه الأحداث

كتب : ناصر عبدالرحيم
السبت 21 مارس 2020 - 11:40 ص

الشيخ ماجد راضى مدير اوقاف السويس يبعث بريقية بمناسبة ليلة الاسراء والمعراج
 
 
المنحة بعد المحنة فى الإسراء والمعراج تزامنا مع هذه الأحداث
 
ما من محنة إلا في طياتها مِنحة، وما من شدة إلا وراءها لله شَدة، وما من عُسر إلا معه يسران، هذه قوانين ربانية، وقواعد سماوية، وسنن إلهية، يتجلى كل ذلك من رحلتي الإسراء والمعراج؛ حيث تعرَّض المصطفى صلى الله عليه وسلم لشدائد جمَّة، وابتلاءات ضخمة، وامتحانات صعبة، خرج منها أقوى إيمانًا، وأوسع صدرًا، وأثبت يقينًا، وأصلب عودًا، وأعلى همَّة تُمكِّنه من الصمود في وجه العوادي والنكبات، وتسلِّحُه ضد أهوال الحياة وتقلبات الدهر
وهكذا المؤمن يَخرج من الشدائد أكثر صمودًا وأقوى عزمًا؛ كالذهب الأصيل يدخل النار فيَخرج أكثر بريقًا وأقوى لمَعانًا!
تعرَّض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه الكرام لحصار خانق ثلاث سنوات، صنعه قساة القلوب، ومعدومو الضمير، وموقِدو الحروب، حتى أكلوا أوراق الشجر من شدة الجوع، حصار مفادُه: لا يُزوِّجهم أحد، ولا يُزوجون، لا يَبيع لهم أحد ولا يبيعون، لا يزورهم أحد ولا يزورون...! حتى قيِّد لهم - من أبناء جلدتهم - مِن ذَوي المروءة والشهامة مَن استطاعوا أن يفكوا عنهم الحصار.
ثم توفي عمه ونصيرُه أبو طالب، الذي صدَّ عنه كل أذى، جاؤوا إليه يقولون: ابن أخيك شتم آباءنا، وسفَّه أحلامنا، وعاب آلهتنا، فجاء به، وقال له: يا محمد، دعك من هؤلاء؛ فقد شتمتَ آباءهم، وسفَّهت أحلامهم، وعِبتَ آلهتَهم، فرَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقولة بيَّضت وجه التاريخ، وأنارت ربوع الدنيا، وأصبحت منهجًا ودستورًا لدعاة الأمس واليوم والغد، القابضين على دينهم، الملتزمين بدعوته : ((والله يا عمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الدين، ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه))، إنه طريق الدعوات، لو جاؤوا إليه بكل الدنيا: الشمس والقمر، السماء والأرض، الحجر والشجر، ما تركت هذا الدين حتى يُظهره الله.
وتُوفيت السيدة خديجة رضي الله عنها، التي آمنت به حين كفر به الناس، وأعطته حين منَعه الناس، وواسته حين تخلَّى عنه الناس، فلقِّب هذا العام بعام الحزن، لا على فقدان الاثنين فحسب؛ وإنما لما أصاب الدعوة من بعدهما.
وكانت الشدة الثالثة في ذَهابه إلى الطائف؛ حيث لم يُقعِده أذى، ولم يؤخِّره بلاء، ولم يَخلد لراحة، ولم يقعد عن بَذْل، ولم يمتنع عن عطاء.
أمَّل النبي الكريم في أهل الطائف ما لم يؤمِّل في أهل مكة، ورجا عندهم ما لم يَرجُه في مكة، فذهب إليهم ومعه زيد بن حارثة، يدعوهم إلى الله، ويأخذهم إلى الحق، فما انفرجت لرؤيته سرائرهم، ولا تقبَّلت لرسالته بصائرهم، ولا تفتَّحت لدعوته قلوبهم، ولم يجد من صغارهم إلا هزءًا، ولم يلقَ مِن صبيانهم إلا صدًّا ، ولم يَرَ من كبارهم إلا كفرًا، حتى سلطوا عليه سفهاءهم، فرمَوه بالحجارة، فعاد جريح الجسد، دامي القدمَين، تختلط دموعه بعرقه بدمائه، وفي طريق عودته لم يَجد إلا ربًّا يلوذ به، وإلهًا يَضرع إليه، وخالقًا يَحتمي بحِماه، ويبثُّ إليه شكواه: ((اللهمَّ إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّه حيلتي، وهواني على الناس، إلى مَن تَكلني؟ إلى بعيد يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكتَه أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلَح عليه أمر الدنيا والآخرة؛ من أن ينزل عليَّ غضبُك، أو يحلَّ عليَّ سخطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولك العتبى إذا رضيتَ، ولا حول ولا قوة إلا بك))
فإذا كان الله يرفع الضر ويكشف السوء، إذا كان الله يُجيب الدعاء ويلبي النداء، فكيف إذا كان المنادي والداعي هو صَفِيَّه من خلقه، وحبيبَه من عباده، محمدًا صلى الله عليه وسلم؟
كانت مِنحةً في مِحنة..
أعظم شدة، وأصعب عقبة، وأشد ما لقِي رسولُ الله من قريش.. كيف؟ عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسولَ الله، هل أتى عليك يوم كان أشد مِن يوم أُحُد؟ فقال: ((لقد لقيت من قومك، فكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة؛ إذ عرضتُ نفسي على ابن عبديالِيل بن عبدكُلَال، فلم يُجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما رَدُّوا عليك، وقد بعث إليك مَلَكَ الجبال لتأمُرَه بما شئتَ فيهم، قال: فناداني ملَكُ الجبال، فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك، وأنا مَلَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبين! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده، ولا يُشرك به شيئًا))؛ متفق عليه.
وجاءت بوادر الأمل في مِنحة إلهية، ونَفحة ربانية، تمثَّلت في رحلتَي الإسراء والمعراج، لكن سبقتْها إشارات على طريق الحق، وعلامات على سبيل النصر!
جاء عداسٌ - وهو نصرانيٌّ - يَحمل قطفًا من العنب، وبدأ يأكل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((بسم الله الرحمن الرحيم))، يورِّث آداب الإسلام، لم ينسَ ربه، ولم يفقد مهمته، رغم الأذى والبلاء، فتعجب عداس وقال: هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلدة؟! قال النبي: ((من أي البلاد أنت؟))، قال: مِن نينوى - بلد في العراق - قال النبي: ((بلد أخي يونس بن متَّى!))، فانكبَّ عداس يقبِّل رأس رسول الله ويدَه، وتحوَّل الصدُّ والإعراض هناك إلى عناق وقبلات هنا، وأسلم الرجل في هذا الموقف.
وبعَث الله نفرًا من الجن استمَعوا إلى القرآن وأُعجبوا به؛ ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2].
فعادوا إلى قومهم دعاةً صالحين، مبشرين ومنذرين ومتوعِّدين؛ ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
نسأل الله عز وجل أن يرفع عنا البلاء
وأن يمن علينا بالمنحة بعد المحنة