ول قبطي يعتلي منبر الأزهر سرجيوس .. رمز الوحدة الوطنية
تستوجب منا الأحداث التي تطل علي الوطن استدعاء شخص القمص سرجيوس(1883 ــ1964) ليكون بيننا, رمزا للوحدة الوطنية علي مر العصور, عاشق للوطن, استطاع أن يلهب بموهبته الخطابية وبلاغته مشاعر المصريين, ويشعل حماس المتظاهرين إلي حد جعل الزعيم سعد زغلول أن يطلق عليه لقب خطيب ثورة1919.
رجلا ثائرا لم يخف يوما من خديو أو ملك, وقف في وجه الإنجليز في مصر والسودان, له مواقف ومعارك مع زعماء وشخصيات تاريخية من بينهم الزعيم سعد زغلول و النحاس باشا, والنقراشي باشا, ومكرم عبيد, والملك فاروق, والزعيم جمال عبدالناصر.
أول رجل دين مسيحي يعتلي منبر الأزهر الشريف شعاره عاش الهلال مع الصليب, خطب في الأزهر وفي مسجد ابن طولون والعديد من المساجد والميادين, وصفه البعض بأنه نادر, ثائر, شبهه بالبركان إن شئت, لكنه بركان متفجر, أو شبهه بالمحيط إن شئت, لكنه ليس بالمحيط الهادي... ولد بجرجا عام1883, ينتمي لأسرة توارثت سلك الكهنوت, فكان أبوه قسيسا وكذلك جده, تمرس علي الخطابة والوعظ, ورسم قسا علي بلده ملوي, ثم عين وكيلا لمطرانية أسيوط عام1907, عمل القمص سرجيوس وكيلا للمطرانية القبطية في السودان, وكان له دور مع عدد من العلماء المصريين المسلمين في عودة روح التآخي والتضامن بين المسلمين والمسيحيين في السودان.
برز القمص سرجيوس وسط الثائرين في ثورة1919, اعتلي منبر الجامع الأزهر وألقي العديد من الخطب الحماسية بجوارالشيخ القاياتي من فوق منبر جامع ابن طولون من أجل استقلال مصر وتحقيق الجلاء, تأييدا للزعيم سعد زغلول وثورة1919, مؤكدا وحدة المصريين.. مسيحيين ومسلمين, مرددا إذا كان الإنجليز يتمسكون بوجودهم في مصر بحجة حماية الأقباط, فليمت الأقباط ويحيا المسلمون أحرارا و لو احتاج الاستقلال إلي مليون قبطي فلا بأس من التضحية, واستمر في خطبه الوطنية لمدة ثلاثة أشهر يخطب في الليل والنهار مرتقيا المنبر معلنا أنه مصري أولا ومصري ثانيا ومصري ثالثا, وأن الوطن لا يعرف مسلما ولا قبطيا, بل مجاهدين فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء, مما دفع السلطات الإنجليزية إلي نفيه إلي رفح في سيناء, وقد قضي سرجيوس ثمانين يوما في المنفي, وبعد خروجه من الاعتقال ظل يخطب في كل مكان.
في إحدي خطبه وقف بميدان الأوبرا يخطب وسط أعداد كبيرة من الجماهير, وفي أثناء خطابه تقدم نحوه جندي إنجليزي شاهرا مسدسه في وجهه, فهتف الجميع حاسب يا أبونا, حايموتك, وفي هدوء رد القمص سرجيوس قائلا ومتي كنا نحن المصريين نخاف الموت ؟ دعوه يريق دمائي لتروي أرض وطني التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء ليشهد العالم كيف يعتدي الإنجليز علي رجال الدين, وأمام ثباته واستمراره في خطابه تراجع الجندي عن قتله.
تميز سرجيوس بروح الدعابة والإثارة وانعكس ذلك علي خطابه الجماهيري, وهو ما يشير إليه الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة في كتابه الدين والسياسة في مصر المعاصرة, حيث أدرك سرجيوس بذكاء مدي ولع الجماهير المصرية بهذا الاسلوب, ففي احدي المظاهرات بميدان الأوبرا وقف سرجيوس يخطب أمام حشد من الجماهير, وفاجأ الجميع بهتاف غريب في بداية خطبته بقوله يحيا الانجليز, واندهش الجميع, وزاد سرجيوس من حيرة الجماهير عندما طلب منهم أن يهتفوا وراءه يحيا الانجليز فهتفت الجماهيريحيا الانجليز وبدأ حديثه قائلا نعم يحيا الانجليز, لأنهم استطاعوا بظلمهم واستبدادهم وفجاجتهم أن يجعلوا منا هذه الكتلة الموحدة المقدسة الملتهبة.
بعد مائة عام سيقف غدا البابا تواضروس على منبر مسجد الفتاح العليم فى افتتاح المسجد و كنيسة العاصمة الادارية
مسلم مسيحى نسيج واحد