العمالة الموسمية

كتب :
الأحد 18 نوفمبر 2018 - 10:20 ص

مع الساعة الأولى لإشراقة الشمس، تجدهم يستيقظون يجمعون بعضهم البعض للخروج فى جماعات إلى المدن الكبرى، حاملين المقطف والفأس والمطرقة، يصطفون على الأرصفة، ملابسهم تكاد تكون واحدة فى الصيف والشتاء، لا يخافون برد الشتاء القارس ولا حرارة الشمس ووهجها.

 

 

اعتادوا على ذلك، يتناولون الإفطار على الرصيف سويا، وبعدها يتسامرون أملا فى قدوم سيارة ينزل منها مقاول يطالبهم بالعمل، أو أفندى ببدلة يطالب أحدهم  بالقيام بأعمال الحفر والتكسير، يهرعون إليهم أملا فى العودة إلى منازلهم آخر اليوم ب100 جنيه،" اليوم السابع" قضى معهم يوم على الرصيف ودخل عالمهم لمعرفة مشاكلهم وهمومهم والمخاطر التى يتعرضون لها، وعدم وجود  تأمين صحى لهم.

"يا أستاذة شغلتنا دى كلها مخاطر" هذه الكلمات قالها: "حمادة لطفى عبد الفتاح" 46 سنة من قرية العواسجة مركز ههيا، أثناء جلوسه على رصيف كوبرى القنطرة بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، أملا فى نزول زبون من السيارة لمطالبته بعمل يعود منه بالمال لأسرته.

 

قائلا: دى شغلانة فيها مخاطر كتير، ورجلى متعورة من أسبوعين من قطعة زجاج دخلت فيها، لكن ما أعرفش أشتغل غيرها، بشتغلها من 20 سنة، طلعت وجدت عمى شغالها، أتعلمتها منه، وتجوزت منها وزقنى الله بولد و3 بنات، ويوميا أطلع من منزلى من الخامسة صباحا، أجلس على الرصيف زى ما حضرتك شايفة، يوم فيه شغل و4 مفيش، واليوم لو اشتغلته بأخد 100 جنيه وساعات 50 جنيها لو شغل خفيف ومضطر أعمله خوفا من العودة للمنزل بدون فلوس، وأسرتى منتظرة عودتى حتى ب50 جنيها.

وعلى بعد مترين منه يجلس مجموعة أخرى يتناولون وجبة الإفطار من الفول والطعمية بجوارها بصل أخضر، وبالاقتراب منهم لمعرفة أحوالهم قال أحدهم ويدعى "السيد أحمد على 54 سنة العواسجة"، أعمل فواعلى منذ 30 سنة، وكل أمنيتى فى الحياة الستر والصحة، وربنا رزقنى بولدين وبنتين، جوزتهم كلهم بس فاضل ولد مش قادر أزوجه، كل حاجة غالية، وعلينا أقساط، وليس لدينا دخل ثابت أو أرض زراعية نعيش من خيرها، لكن نعمل بالحلال ونعرق ونشقى أفضل من أن نشغل أى عمل آخر غير شريف.

 

وبجواره عامل يهمس له ويقول قول لها على مخاطر الشغلة، وقعت مرة من على السلم أثناء صعودى بالطوب إلى أحد الطوابق العليا، وربنا ستر لأننا غلابة وأصحاب عيال، واسمى "هلال السيد شحاتة" 55 سنة من قرية العواسجة مركز هههيا.

وعلى بعد 10 أمتار تصطف مجموعة أخرى بالقرب من سجن الزقازيق العمومى، من قرى منيا القمح ومركز الزقازيق، وبالاقتراب منهم، كان الحزن الشديد فى أعينهم بسب الانتظار منذ الصباح دون عمل، وقال " السيد عيد مصطفى" 52 سنة، من  عزبة الزراقة قرية المعالى منيا القمح، يأبلة عليه كل شهر 2000 جنيه، مش قادر أسدهم بسبب أعباء الحياة، وزى ما حضرتك شايفة وجاية من غير موعد، قاعدين من الساعة 6 صباحا بدون عمل، وكثير ما نقضى 5 أيام متواصلة نعود للمنزل بدون جنيه واحد، لكن الستار موجود.

وتابع "السيد عيد مصطفى" 52 سنة من الزقازيق، يوميا نخرج من منزلنا مع الساعات الأولى للشمس، نقضى الصيف والشتاء على الرصيف، وتعودنا على ذلك كل ما يؤلمنا هو العودة بدون عمل، اليوم ال بنرجع فيه  بدون فلوس، لأن عندنا بيوت مفتوحة، وأبناء فى الكليات والمدارس، عايزة تتعلم، والزمان اللى حكم علينا بهذا العمل، فلم نتعلم القراءة والكتابة، لنجد شغلا أفضل.

ويقاطعه "محمد حمدى"من الزقازيق، أستاذة ما ينوبك ثواب تكلمى حد فى الدولة يحس بينا ويعمل لنا تأمين زى شهادة أمان بتاعة السيسى، حد يعملها لنا بالقسط، وندفع كل أسبوع جزء، بحيث تكون أمان لعيالنا لو حصل لنا حاجة لأن الشغلانة دى كلها مخاطر، وزميال لنا كتير أصيبوا بالعجز بسببها.

وبالقرب من مسجد محمد على، أو الجامع الكبير كما يطلق عليه أهالى مدينة الزقازيق، يصطف عدد من عمال اليومية، وقال" عطية تهامى" 56 سنة من قرية المساعدة مركز ههيا، عن عمله باليومية، عمل صعب ومرهق يعتمد على المجهود البدنى، ومع التقدم فى العمر الصحة بتقل، لكن ما باليد حيلنا اللى زينا صعب يقعد فى البيت اللى تعود على الشقاء، صعب يدوق طعم الراحة، لكن فين بس الزباين، السوق نايم فى كل حاجة، وفى الأسبوع ممكن أشتغل يومين أو ثلاثة بالكثير وباقى الأيام أعود  بدون جنيه واحد.

ويلتقط "رضا إبراهيم على" من قرية نشوى مركز الزقازيق، أطراف الحديث منه قائلا: ربنا وحده عالم بينا واللى بيعوضنا فى الشقاء ال عشناه أن عملنا من الرزق الحلال، لكن مفيش حد بيشعر بالتعب اللى بنشوفه، ولايوجد نظرة من الحكومة لينا جميعنا غير مؤمن عليه، وليس لنا دخل ثابت واللى بيموت فينا من مخاطر الشغل، مالوش قيمة، نفسنا فى مسئول يعمل لنا شهادات أمان اللى بنسمع عنها فى التليفزيون تكون أمان لعيالنا فى حالة عجزنا عن العمل، أحنا بنتعرض لمخاطر يوميا، وكل واحد فينا بيصرف 20 جنيه يوميا مواصلات وفطار وكوباية شاى، ولو ربنا كرمنا بشغل بيكون أعلى أجر يومى نحصل عليه 100 جنيه.

 

يما قال "محمد حسانين سيد" أحد أبناء قرية بنى غالب التابعة لمركز أسيوط، قال لـ"اليوم السابع": أنا متزوج أعول أسرة مكونة 6 أفراد، أستيقظ فجر كل يوم وأذهب إلى مدينة أسيوط، وأجلس على أحد الأرصفة بمنطقة ميدان المجذوب، ممسكا لوازمه من مطرقة وغيرها، فى انتظار أن يأتى الزبون الذى يبحث عن عامل يومية من أجل أعمال حفر أو خرسانة أو تكسير فى المنزل.

 

أضاف محمد حسانين، الشغل ما بقاش زى الأول يوم نشتغل ويوم لأ قائلا: أيام أجلس من الصبح لحد الساعة 11 مساء بدون شغل وبرجع البيت فاضى.. أصعب حاجة على عامل اليومية قلة الشغل والرجوع البيت بدون فلوس.

 

وأشار حسانين، عامل اليومية يواجه صعوبات ومعاناة يوميا ويتعرض لأعمال قد تؤدى إلى وفاته أو إصابة خطيرة إلا أنه لا يوجد لديه تأمين صحى حتى يتمكن من تلقى العلاج لأن عامل اليومية يندرج تحت مسمى عمالة غير منتظمة.

 

وقال حربى أحمد، أحد أبناء قرية الواسطى بمركز الفتح بأسيوط، أنا مش عاوذ حاجة غير أنى اشتغل وارجع البيت وأنا معاى فلوس لتلبية احتياجات أسرتى حيث إننى متزوج بعول أسرة مكونة من 3 أفراد؛ مضيفا أجلس على أرصفة ميدان المجذوب وبحوزتى الفأس والأزميل وغيرها من الأدوات، فى انتظار لقمة العيش، يوم أرجع البيت ب100 جنيه وخمسة أيام ولا جنيه، ومشينا أمورنا، ونفسنا فى شهادات أمان لينا وتأمين صحى.

 

 



جديد الأخبار